على أبواب الحياة
على غير موعد سابق ....
وَجَدَ هؤلاء الأربعة أنفسهم أمام باب المدينة، وقد أتى كل واحد منهم من اتجاهات مختلفة ومن مشارب متفرقة.
ولو رأيتهم للوهلة الأولى لما وجدت بينهم قاسمًا مشتركًا واحدًا يجمع بينهم سوى أنهم يقفون أمام باب المدينة فى هذه اللحظة .
فحين تنظر إلى "حمدان" تجد أمامك رجلا أسمر اللون طويل القامة مفتول العضلات قوى البنية غائر العينين. قد حُفرت على جبينه خطوطٌ واضحة .
تَرَكَ لحيته لم يحلقها تماما ولم يطلقها تمامًا مما يشعرك بأن هذا الرجل الذى أمامك لا يستهويه أن يقف طويلا أمام المرآة.
أما ثيابه التى يرتديها فتشعر منها أن الأربعة لو أرادوا أن يحفروا بئرًا لقام بقية الأربعة بخلع ملابسهم وارتداء ملابس مغايرة، ثم يرتدون ملابسهم بعد الانتهاء. أما "حمدان" فلن يغير ملابسه قبلها ولا بعدها، ومع ذلك كله فإن ثيابه ليست قذرة ، ولكنها مرسومة عليه.
على عكسه تمامًا كان صاحبهم الثانى " بهاء " فقد كان شابا وسيمًا قد رسمت الأقدارُ هيئتَه كأنما ترسم لوحةَ فنيةَ رائعة. فلو نظرت إلى عينيه لاحترت فيهما أهى عيون خضراء أم زرقاء؟ مع جاذبية دون كلام .. قد وضعت كل عين فوق وجنة كوجنة أجمل النساء يتوسط الوجنتين أنف دقيقة وتحته فم قد حوى أسنانًا كاللؤلؤ..
وكان الفرق واضحًا بين الرجلين ...
فكان الأربعة إذا جلسوا ، فإنهم ينظرون إلى "بهاء" كواحة خضراء قد وُضعت فى صحراءَ قاحلة ، من أين أتوها فهى واحة جميلة .
وإذا رغبوا فيمن يخدمهم ويساعدهم ويعاونهم فى عمل شئ يلجأون إلى "حمدان" .
ولو ذبحت كلَ واحدٍ منهما لأن يكون على هيئة الآخر، لما وافق أبدًا، ولرفض رفضًا باتا ..
أما " عوف " فكان رجلا عاقلا ، كلامه قليل .. كثير الصمت ولا يدخل فى أى موضوع إلا إذا طُلب منه فإذا حدثته وجدته رجلا واعيا لكل ما يدور من حوله، وإن حاول أن يبدى أنه لا يعلم شيئًا.
أما " قُصَى " فحين تراه تشعرُ أنك أمام إنسان لم يحمل –يومًا- همًا للحياة .. فلو هُدمت المدينة بأكملها لهرب الجميع إلا هو، فسيفكر فى لحظتها عن موطن الاستفادة فى هذه اللحظة ..
وإنه لا يشغله الماضى كثيرًا ولا يعنيه المستقبل فى شئ .. فالمستقبل عنده فى علم الغيب، أما الماضى فقد مضى بحلوه وبمره.
ومع ذلك فهو شخص مُهاب الجانب، يرجع إليه الجميع فيما يريدون. استوعب مجالات الحياة جميعًا بما فيها من مهارات مختلفة يُكبره من يراه فى نفسه ويجله أن يكون عاملا أو أن يكون إنسانًا عاديًا، إنه لا يصلح إلا أن يكون ربان سفينة أو قائدًا عظيمًا.
اجتمع هؤلاء الأربعة ليدخلوا المدينة ....
ودخل عليهم المساء ، ولم يستطيعوا دخول المدينة فى ذلك اليوم . بل أُغلقت الأبوابُ فى وجوههم ، ومنعهم الحراس من الدخول .
وجلسوا لانتظار الصباح ، وكل واحد له آمال عريضة فى أن يأخذ تأشيرة الدخول إلى هذه المدينة العامرة .
وبينما هم كذلك دار بينهم هذا الحوار ..